تحديات مجموعة العشرين- توترات جيوسياسية وأزمات اقتصادية تهدد التعاون العالمي

المؤلف: محمد صديق (القاهرة) @okaz_online08.21.2025
تحديات مجموعة العشرين- توترات جيوسياسية وأزمات اقتصادية تهدد التعاون العالمي

تحت وطأة التوترات الجيوسياسية والاقتصادية المتصاعدة، تستعد مدينة ديربان بجنوب أفريقيا لاستضافة اجتماع وزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية لدول مجموعة العشرين، وذلك يومي الخميس والجمعة المقبلين. يلقي غياب وزير الخزانة الأمريكي، سكوت بيسينت، بظلاله على هذا الاجتماع الهام، فضلاً عن التهديدات التي يطلقها الرئيس دونالد ترمب بفرض رسوم جمركية جديدة، وتفاقم الخلافات المحتدمة بين واشنطن ودول مجموعة بريكس الصاعدة.

تجدر الإشارة إلى أن "بيسينت" قد تغيب أيضاً عن اجتماع وزراء المالية الذي عقد في كيب تاون خلال شهر فبراير الماضي، الأمر الذي أثار تساؤلات مقلقة حول قدرة مجموعة العشرين على التصدي للتحديات العالمية الملحة والمعقدة التي تواجه عالمنا اليوم.

وفي هذا السياق، أعرب جوش ليبسكي، رئيس قسم الاقتصاد الدولي في مجلس الأطلسي، عن قلقه البالغ حيال هذا الغياب، قائلاً: "من دواعي القلق الشديد ألا تكون أكبر قوة اقتصادية في العالم ممثلة على هذا المستوى السياسي الرفيع، مما يثير شكوكاً جدية حول استدامة مجموعة العشرين على المدى الطويل".

كما أشار إلى أن غياب "بيسينت" يعكس بوضوح الخطط التي تتبناها الولايات المتحدة لتقليص دور المجموعة عندما تتولى رئاستها في العام المقبل، وهو ما يثير مخاوف بشأن مستقبل التعاون الدولي.

وفي سياق متصل، فرض ترمب بالفعل رسوماً جمركية باهظة بنسبة 10% على جميع الواردات الأمريكية، إلى جانب رسوم عقابية تصل إلى 50% على الفولاذ والألومنيوم، و25% على السيارات، فضلاً عن تهديدات بفرض رسوم تصل إلى 200% على الأدوية، مما يهدد بتفاقم الأوضاع التجارية العالمية.

علاوة على ذلك، أعلن عن فرض رسوم إضافية على 25 دولة، والتي من المقرر أن تدخل حيز التنفيذ في الأول من أغسطس المقبل، مع توجيه تهديدات مباشرة لدول بريكس، التي تضم في عضويتها 8 دول من مجموعة العشرين، بما في ذلك جنوب أفريقيا المضيفة. ويعكس هذا الوضع المتأزم تنامي التوترات بين المؤسسات الغربية ودول بريكس، مما ينذر بإضعاف المنتديات الدولية وتقويض قدرتها على تحقيق أهدافها.

يأتي هذا الاجتماع في خضم ضغوط اقتصادية متزايدة، لا سيما في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء، حيث بلغ الدين الخارجي مستويات قياسية بلغت 800 مليار دولار (أي ما يعادل 45% من الناتج المحلي الإجمالي)، وفقاً لتقديرات "غولدمان ساكس".

وتواجه المنطقة أيضاً نقصاً تمويلياً حاداً يقدر بنحو 80 مليار دولار، وذلك بسبب تراجع القروض الصينية وتقليص المنح الأمريكية والأوروبية، التي تمثل حوالي 25% من التمويل الخارجي للمنطقة، مما يزيد من صعوبة الأوضاع الاقتصادية.

ومن جانبه، صرح وزير المالية الجنوب أفريقي السابق، تريفور مانويل، قائلاً: "لقد قدمت الصين موارد كبيرة من خلال مبادرة الحزام والطريق، ولكن هناك حاجة ماسة إلى مزيد من الشفافية في هذه التعاملات".

عندما تولت جنوب أفريقيا رئاسة مجموعة العشرين في شهر ديسمبر الماضي، تحت شعار التضامن والمساواة والاستدامة، كانت تأمل في ممارسة ضغوط على الدول الغنية لتمويل مشاريع المناخ ومعالجة انعدام الثقة بين الشمال والجنوب العالميين، ولكنها تواجه الآن تحديات جمة بسبب تداعيات تقليص المساعدات وتصاعد الحروب الجمركية التي تهدد بتقويض جهود التنمية.

وفي هذا الصدد، علق المحلل السياسي البارز، لومكيل موندي، قائلاً: "أفريقيا في موقف عصيب للغاية، حيث يتراجع الاستثمار بشكل ملحوظ بسبب الديون المرتفعة وانخفاض معدلات النمو الاقتصادي".

وقد قدمت هيئة الاستقرار المالي لمجموعة العشرين خطة جديدة تهدف إلى مواجهة المخاطر المناخية المتزايدة، ولكن التقدم في هذا الملف الحيوي قد توقف بسبب تراجع الولايات المتحدة عن مجموعات العمل المعنية بتقييم تأثير التغيرات المناخية على الاستقرار المالي العالمي.

وفي تطور لاحق، أصدرت الخزانة الوطنية في جنوب أفريقيا بياناً رسمياً يوم الإثنين الماضي، أعربت فيه عن أملها في إصدار أول بيان رسمي في ختام هذه الاجتماعات الهامة، معربة عن تفاؤلها بإمكانية تحقيق تقدم ملموس في معالجة القضايا والتحديات المطروحة.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة